الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ بِيعَ مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا , مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ , وَمِمَّا لاَ يَنْقَسِمُ : مِنْ أَرْضٍ , أَوْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ , فَأَكْثَرَ , أَوْ عَبْدٍ , أَوْ ثَوْبٍ , أَوْ أَمَةٍ , أَوْ مِنْ سَيْفٍ , أَوْ مِنْ طَعَامٍ , أَوْ مِنْ حَيَوَانٍ , أَوْ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ بِيعَ : لاَ يَحِلُّ لِمَنْ لَهُ ذَلِكَ الْجُزْءُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَى شَرِيكِهِ أَوْ شُرَكَائِهِ فِيهِ , فَإِنْ أَرَادَ مَنْ يُشْرِكُهُ فِيهِ الأَخْذَ لَهُ بِمَا أَعْطَى فِيهِ غَيْرُهُ فَالشَّرِيكُ أَحَقُّ بِهِ , وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَأْخُذَ فَقَطْ سَقَطَ حَقُّهُ , وَلاَ قِيَامَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا بَاعَهُ مِمَّنْ بَاعَهُ. فَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا حَتَّى بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ يُشْرِكُهُ فِيهِ فَمَنْ يُشْرِكُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ ذَلِكَ الْبَيْعَ وَبَيْنَ أَنْ يُبْطِلَهُ وَيَأْخُذَ ذَلِكَ الْجُزْءَ لِنَفْسِهِ بِمَا بِيعَ بِهِ. وَهَا هُنَا خِلاَفٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ : أَحَدُهَا هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشَاعِ أَمْ لاَ وَالثَّانِي : هَلْ يَكُونُ فِي بَيْعِهِ شُفْعَةٌ أَمْ لاَ وَالثَّالِثُ : الأَشْيَاءُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الشُّفْعَةُ. وَالرَّابِعُ : إنْ عَرَضَ الْبَائِعُ عَلَى مَنْ يُشْرِكُهُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَ فَأَبَى شَرِيكُهُ مِنْ الأَخْذِ هَلْ يَسْقُطُ حَقُّهُ بِذَلِكَ أَمْ لاَ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى وَهُوَ تَابِعِيٌّ قَاضِي الْبَصْرَةِ : لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشَاعِ , رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ قَالَ : رُفِعَ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ رَجُلٌ بَاعَ نَصِيبًا لَهُ غَيْرَ مَقْسُومٍ فَلَمْ يُجِزْهُ , فَذَكَرَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَرَآهُ غَيْرَ جَائِزٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ : لاَ بَأْسَ بِالشَّرِيكَيْنِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا الْمَتَاعُ أَوْ الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يُكَالُ ، وَلاَ يُوزَنُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يُقَاسِمَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ : لاَ يَبِعْ مِنْهُ ، وَلاَ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى يُقَاسِمَهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لُؤْلُؤَةً أَوْ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى قِسْمَتِهِ. وَأَجَازَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ بَيْعَ الْمُشَاعِ وَلَمْ يَرَ الشُّفْعَةَ لِلشَّرِيكِ. وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ : لاَ شُفْعَةَ إِلاَّ فِي الأَرْضِ فَقَطْ أَوْ فِي أَرْضٍ بِمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ نَابِتٍ فَقَطْ. قَالَ مَالِكٌ : الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الأَرْضِ وَحْدَهَا , وَفِي الأَرْضِ بِمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ نَابِتٍ , أَوْ فِي الثِّمَارِ الَّتِي فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ وَإِنْ بِيعَتْ دُونَ الْأُصُولِ. وَرُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه لاَ شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ ، وَلاَ فَحْلٍ : رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لاَ شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ ، وَلاَ فَحْلٍ وَالْأُرْفُ يَقْطَعُ كُلَّ شُفْعَةٍ. الْأُرْفُ الْحُدُودُ وَالْمَعَالِمُ. قال أبو محمد : وبرهان صِحَّةِ قَوْلِنَا : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، أَخْبَرَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ ، هُوَ ابْنُ زِيَادٍ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ). وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا أَنَا مَحْمُودُ ، هُوَ ابْنُ غَيْلاَنَ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : (جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ). وَوَجَدْت فِي كِتَابِ يَحْيَى بْنِ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ بِخَطِّهِ : أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ : ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ قَالَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ أَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ هُوَ الْقَرَاطِيسِيُّ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الأَوْدِيُّ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ). قَالَ الطَّحَاوِيَّ : وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الشَّرِيكُ شَفِيعٌ وَالشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ). وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو الطَّاهِرِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شِرْكٍ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ , لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَيَأْخُذُ أَوْ يَدَعُ , فَإِنْ أَبَى فَشَرِيكُهُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُؤْذِنَهُ). قال أبو محمد : فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ بِكُلِّ مَا قلنا , جَابِرٌ , وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَالٍ , وَفِي كُلِّ شَيْءٍ , وَفِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ. وَرَوَاهَا كَذَا عَنْ جَابِرٍ : أَبُو الزُّبَيْرِ سَمَاعًا مِنْهُ وَعَطَاءٌ , وَأَبُو سَلَمَةَ , وَرَوَاهُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ , فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذَا كَمَا رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَعَرَفَ النَّاسُ حُقُوقَهُمْ فَلاَ شُفْعَةَ بَيْنَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مَنْظُورِ بْنِ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ أَبَاهُ عُثْمَانَ قَالَ : لاَ مُكَايَلَةَ إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلاَ شُفْعَةَ. فَهَذَانِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنهما يَحْمِلاَنِ قَطْعَ الشُّفْعَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا بِوُقُوعِ الْحُدُودِ , وَمَعْرِفَةِ النَّاسِ حُقُوقَهُمْ وَلَمْ يَخُصَّا أَرْضًا دُونَ سَائِرِ الأَمْوَالِ , بَلْ أَجْمَلاَ ذَلِكَ , وَالْحُدُودُ تَقَعُ فِي كُلِّ جِسْمٍ مَبِيعٍ , وَكَذَلِكَ مَعْرِفَةُ كُلِّ أَحَدٍ حَقَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، عَنِ ابْنِ مُلَيْكَةَ قَالَ : قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ : الأَرْضِ وَالدَّارِ , وَالْجَارِيَةِ , وَالْخَادِمِ. فَقَالَ عَطَاءٌ : إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِي الأَرْضِ وَالدَّارِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : تَسْمَعُنِي لاَ أُمَّ لَكَ , أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَقُولُ مِثْلَ هَذَا وَإِلَى هَذَا رَجَعَ عَطَاءٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ قَالَ أَنَا أَبَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ : سَأَلْت عَطَاءً عَنْ الشُّفْعَةِ فِي الثَّوْبِ فَقَالَ : لَهُ شُفْعَةٌ وَسَأَلْته عَنْ الْحَيَوَانِ فَقَالَ : لَهُ شُفْعَةٌ وَسَأَلْته عَنْ الْعَبْدِ فَقَالَ : لَهُ شُفْعَةٌ. فَهَذَانِ : عَطَاءٌ , وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ عَنْهُمَا. قال أبو محمد : فَلاَ تَخْلُو الشُّفْعَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ طَرِيقِ النَّصِّ كَمَا نَقُولُ نَحْنُ أَوْ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ كَمَا يَقُولُ الْمُخَالِفُونَ. فَإِنْ كَانَتْ مِنْ طَرِيقِ النَّصِّ فَهَذِهِ النُّصُوصُ الَّتِي أَوْرَدْنَا لاَ يَحِلُّ الْخُرُوجُ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَنْ الشَّرِيكِ فَالْعِلَّةُ بِذَلِكَ مَوْجُودَةٌ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ كَمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْعَقَارِ , بَلْ أَكْثَرُ , وَفِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ , كَوُجُودِهَا فِيمَا يَنْقَسِمُ , بَلْ هِيَ فِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ أَشَدُّ ضَرَرًا. فأما مَنْ مَنَعَ بَيْعَ الْمُشَاعِ فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً , بَلْ هُوَ خِلاَفُ الْقُرْآنِ , وَالسُّنَّةِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَقَالَ تَعَالَى : فَإِنْ قَالُوا : اتَّبَعْنَا فِي إجَازَةِ بَيْعِ الْمُشَاعِ الآثَارَ الْمَذْكُورَةَ قلنا : مَا فَعَلْتُمْ , بَلْ خَالَفْتُمُوهَا كَمَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَأَقْرَبُ ذَلِكَ مُخَالَفَتُكُمْ إيَّاهَا فِي سُقُوطِ حَقِّ الشَّرِيكِ إذَا عَرَضَ عَلَيْهِ الأَخْذَ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَمْ يَأْخُذْ , فَقُلْتُمْ : بَلْ حَقُّهُ بَاقٍ ، وَلاَ يَسْقُطُ. وَأَيْضًا فَقَدْ جَاءَ نَصٌّ بِهِبَةِ الْمُشَاعِ إذْ وَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَشْعَرِيِّينَ ثَلاَثَ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ بَيْنَهُمْ فَلَمْ تُجِيزُوهُ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّ حُجَّتَهُ أَنْ يَقُولَ : خَبَرُ الشُّفْعَةِ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ , وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا بِالشِّرَاءِ فَلاَ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ وَهَذَا خِلاَفٌ لِمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ الْمُخَالِفِينَ لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُكْمِ الْمُصَرَّاةِ , وَمِنْ حُكْمِ مَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ فَهُوَ أَوْلَى بِهَا , وَالْقُرْعَةُ بَيْنَ الأَعْبُدِ السِّتَّةِ فِي الْعِتْقِ , وَقَالُوا : هَذِهِ الأَخْبَارُ مُخَالِفَةٌ لِلْأُصُولِ أَنْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذَا فِي خَبَرِ الشُّفْعَةِ , وَلَكِنَّ التَّنَاقُضَ أَسْهَلُ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ , وَلاَ حُجَّةَ فِي نَظَرٍ مَعَ حُكْمٍ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَمَّا الْخِلاَفُ فِيمَا تَكُونُ فِيهِ الشُّفْعَةُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إنَّمَا ذَكَرَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ فِي كُلِّ شِرْكٍ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا شَغَبُوا بِهِ إِلاَّ هَذَا. فَجَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ , أَمَّا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام : فِي كُلِّ شِرْكٍ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لاَ شُفْعَةَ إِلاَّ فِي هَذَا فَقَطْ , وَإِنَّمَا فِيهِ إيجَابُ الشُّفْعَةِ فِي الأَرْضِ وَالرَّبْعِ وَالْحَائِطِ , وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ هَلْ الشُّفْعَةُ فِيمَا عَدَاهَا أَمْ لاَ فَوَجَبَ طَلَبُ حُكْمِ مَا عَدَا هَذِهِ فِي غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ , وَقَدْ وَجَدْنَا خَبَرَ جَابِرٍ هَذَا نَفْسِهِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ , وَمَا يَجْهَلُ أَنَّ عَطَاءً فَوْقَ أَبِي الزُّبَيْرِ إِلاَّ جَاهِلٌ. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي رَبْعَةٍ أَوْ نَخْلٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ , فَإِنْ رَضِيَ أَخَذَ , وَإِنْ كَرِهَ تَرَكَ) أَفَتَرَوْنَ هَذَا حُجَّةً فِي أَنْ لاَ شُفْعَةَ إِلاَّ فِي رَبْعٍ أَوْ نَخْلٍ فَقَطْ دُونَ سَائِرِ الثِّمَارِ فَإِنْ قَالُوا : قَدْ جَاءَ خَبَرٌ آخَرُ بِزِيَادَةٍ. قلنا : وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ آخَرُ لَنَا أَيْضًا بِزِيَادَةٍ كُلُّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ ، وَلاَ فَرْقَ فَكَيْفَ وَالْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ , الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذَا أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , فَهَلاَّ قَاسُوا عَلَى حُكْمِ الأَرْضِ , وَالْحَائِطِ , وَالْبِنَاءِ : سَائِرَ الأَمْلاَكِ بِعِلَّةِ الضَّرَرِ وَدَفْعِهِ , كَمَا قَاسُوا عَلَى الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ , وَالْبُرِّ , وَالشَّعِيرِ , وَالْمِلْحِ , وَالتَّمْرِ : سَائِرَ الأَنْوَاعِ فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْمُوجِبُ لِلْقِيَاسِ هُنَالِكَ وَفِي سَائِرِ مَا قَاسُوا فِيهِ وَمُنِعَ مِنْهُ هَاهُنَا , لاَ سِيَّمَا وَالْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ يَجْعَلُونَ الشُّفْعَةَ فِي الصَّدَاقِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ , فَهَلاَّ قَاسُوا الْبَيْعَ عَلَى الْبَيْعِ , فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الصَّدَاقِ عَلَى الْبَيْعِ وَالْمَالِكِيُّونَ يَرَوْنَ الشُّفْعَةَ فِي الثَّمَرَةِ دُونَ الْأُصُولِ , فَهَلاَّ قَاسُوا غَيْرَ الثَّمَرَةِ عَلَى الْعَقَارِ كَمَا قَاسُوا الثَّمَرَةَ عَلَى الْعَقَارِ , لاَ سِيَّمَا مَعَ إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ أَحَدًا قَالَ بِذَلِكَ قَبْلَهُ. ثُمَّ كُلُّهُمْ مُخَالِفُونَ لِهَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ , فِي أَنَّهُمْ لاَ يُسْقِطُونَ حَقَّ لِلشَّرِيكِ فِي الشُّفْعَةِ إذَا عَرَضَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ أَخْذَ الشِّقْصِ بِمَا يُعْطَى فِيهِ فَلَمْ يَأْخُذْهُ , فَكَيْفَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ خَبَرٍ حُجَّةً , لاَ سِيَّمَا فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ , وَلاَ يَجْعَلُهُ حُجَّةً فِيمَا هُوَ فِيهِ مَنْصُوصٌ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا. وَأَمَّا اللَّفْظُ الَّذِي فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي الأَرْضِ , وَالْعَقَارِ , وَالْبِنَاءِ. بَلْ الْحُدُودُ وَاقِعَةٌ فِي كُلِّ مَا يَنْقَسِمُ مِنْ طَعَامٍ , وَحَيَوَانٍ , وَنَبَاتٍ , وَعُرُوضٍ , وَإِلَى كُلِّ ذَلِكَ طَرِيقُ ضَرُورَةٍ , كَمَا هُوَ إلَى الْبِنَاءِ وَإِلَى الْحَائِطِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَكَانَ ذِكْرُهُ عليه السلام لِلْحُدُودِ وَالطُّرُقِ إعْلاَمًا بِحُكْمِ مَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ , وَبَقِيَ الْحُكْمُ فِيمَا لاَ يُقْسَمُ عَلَى حَسْبِهِ , فَكَيْفَ وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ بَيَانٌ كَافٍ فِي أَنَّ الشُّفْعَةَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ مَالٍ يُقْسَمُ , وَفِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ , وَهَذَا عُمُومٌ لِجَمِيعِ الأَمْوَالِ مَا احْتَمَلَ مِنْهَا الْقِسْمَةَ وَمَا لَمْ يَحْتَمِلْهَا. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ بِهَذَا الْحُكْمِ " الأَرْضَ " فَقَطْ ; ثُمَّ يُجْمِلُ هَذَا الْإِجْمَالَ , حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا , وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْبَيَانِ لاَ بِالْإِبْهَامِ وَالتَّلْبِيسِ هَذَا أَمْرٌ لاَ يَتَشَكَّلُ فِي عَقْلِ ذِي عَقْلٍ سِوَاهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ , وَقَدْ جَسَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى جَارِي عَادَتِهِ فِي الْكَذِبِ فَادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي الأَرْضِ , وَالْبِنَاءِ , وَالأَشْجَارِ فَقَطْ , وَادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى سُقُوطِ الشُّفْعَةِ فِيمَا سِوَاهَا. قال أبو محمد : أَمَّا الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي الأَرْضِ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ : فَقَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ , وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ خِلاَفَ ذَلِكَ , وَهَؤُلاَءِ فُقَهَاءُ تَابِعُونَ. وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لاَ شُفْعَةَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ , فَقَدْ ذَكَرْنَا عُمُومَ الرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ , وَالرِّوَايَةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ , وَعَطَاءٍ , وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ , وَهَذَا مَالِكٌ يَرَى الشُّفْعَةَ فِي الثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ دُونَ الأَصْلِ. وَمَا نَعْلَمُ رُوِيَ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ فِيمَا عَدَا الأَرْضِ إِلاَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَشُرَيْحٍ , وَابْنِ الْمُسَيِّبِ , وَلاَ يَصِحُّ عَنْهُمْ , وَعَنْ عَطَاءٍ وَقَدْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ , وَالشَّعْبِيِّ , وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَرَبِيعَةَ , وَهُوَ عَنْ هَؤُلاَءِ صَحِيحٌ. أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ : فَإِنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : لاَ شُفْعَةَ فِي الْحَيَوَانِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَجْهُولٌ وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا : أَنَّهُ لاَ شُفْعَةَ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ , كَمَا لَيْسَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ عَنْ غَيْرِ الْبُرِّ وَالْفَحْلِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَا جُمْلَةً. وَأَمَّا ابْنُ الْمُسَيِّبِ : فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَهُوَ عَنْ شُرَيْحٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ , وَيَكْفِي. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عُبَيْدَةَ , وَجَرِيرُ , وَيُونُسُ , قَالَ عُبَيْدَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ , وَقَالَ جَرِيرٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالاَ جَمِيعًا : لاَ شُفْعَةَ إِلاَّ فِي دَارٍ , أَوْ عَقَارٍ , وَقَالَ يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ : لاَ شُفْعَةَ إِلاَّ فِي تُرْبَةٍ. قال أبو محمد : وَمِثْلُ عَدَدِ هَؤُلاَءِ لاَ يَعُدُّهُمْ إجْمَاعًا إِلاَّ كَذَّابٌ , قَلِيلُ الْحَيَاءِ وَقَدْ أَوْرَدْنَا الْخِلاَفَ فِي ذَلِكَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ خَالَفَ هَؤُلاَءِ كُلَّهُمْ مَالِكٌ , فَرَأَى الشُّفْعَةَ فِي التِّينِ , وَالْعِنَبِ , وَالزَّيْتُونِ , وَالْفَوَاكِهِ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ , وَلَيْسَتْ دَارًا , وَلاَ عَقَارًا , وَلاَ تُرْبَةً وَرَأَى ابْنُ شُبْرُمَةَ الشُّفْعَةَ فِي الْمَاءِ. وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ فِي إجْبَارِهِمْ الشَّرِيكَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مَعَ شَرِيكِهِ , وَلَمْ يُوجِبْ قَطُّ ذَلِكَ نَصٌّ , وَلاَ أَثَرٌ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ نَظَرٌ , ثُمَّ لاَ يُوجِبُ لَهُ الشُّفْعَةَ , وَقَدْ جَاءَ بِهَا النَّصُّ. وَعَجَبٌ آخَرُ مِنْهُمْ , وَمِنْ الْحَنَفِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ : الْمُسْنَدُ كَالْمُرْسَلِ سَوَاءٌ , حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ : بَلْ الْمُرْسَلُ أَقْوَى , وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا : أَحْسَنَ الْمَرَاسِيلِ بِإِيجَابِ الشُّفْعَةِ فِي الْجَارِيَةِ وَفِي الْخَادِمِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ , قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (فِي الْعَبْدِ شُفْعَةٌ) وَفِي كُلِّ شَيْءٍ وَمَا نَعْلَمُ فِي الْمُرْسَلاَتِ أَقْوَى مِنْ هَذَا فَخَالَفُوهُ , وَمَا عَابُوهُ إِلاَّ بِإِرْسَالٍ فَأَيُّ دِينٍ , أَوْ أَيُّ إحْيَاءٍ , يَبْقَى مَعَ هَذَا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. وَأَمَّا سُقُوطُ حَقِّ الشَّرِيكِ إذَا عَرَضَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ الأَخْذَ فَلَمْ يَأْخُذْهُ , فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ حَاشَا الطَّحَاوِيَّ , وَالْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ , قَالُوا : لاَ يَسْقُطُ حَقُّهُ بِذَلِكَ , بَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْدَ الْبَيْعِ , وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا : بِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَمْ تَجِبْ لَهُ بَعْدُ , وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَتَرْكُهُ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ لاَ مَعْنَى لَهُ , وَلاَ يَسْقُطُ حَقُّهُ إذَا وَجَبَ , مَا لَهُمْ حُجَّةٌ غَيْرُ هَذَا أَصْلاً. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ : أَوَّلُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ : إنَّ الشُّفْعَةَ لَمْ تَجِبْ لَهُ بَعْدُ , فَهَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّ الشُّفْعَةَ وَغَيْرَ الشُّفْعَةِ مِنْ أَحْكَامِ الدِّيَانَةِ كُلِّهَا لاَ تَجِبُ إِلاَّ إذَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا فَمَا لَمْ يَجِئْ هَذَا الْمَجِيءَ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ الدِّينِ , وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ حَقَّ الشَّفِيعِ بِعَرْضِ الشُّفْعَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ , وَأَسْقَطَ حَقَّهُ بِتَرْكِهِ الأَخْذَ حِينَئِذٍ , وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ حَقًّا أَصْلاً , إِلاَّ بِأَنْ لاَ يَعْرِضَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَحِينَئِذٍ يَبْقَى لَهُ الْحَقُّ بَعْدَ الْبَيْعِ , وَإِلَّا فَلاَ هَذَا هُوَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام فَلْيَأْتُونَا عَنْهُ عليه الصلاة والسلام بِأَنَّ الأَخْذَ لاَ يَجِبُ لِلشَّفِيعِ إِلاَّ بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَطْ , وَهَذَا مَا لاَ يَجِدُونَهُ أَبَدًا فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ مِنْ كَثَبٍ. وَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ كَانَ الْحَنَفِيُّونَ عَنْ هَذَا النَّظَرِ حَيْثُ أَجَازُوا الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ , نَعَمْ , وَقَبْلَ دُخُولِهِ , وَالْمَالِكِيُّونَ كَذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِشَهْرَيْنِ , وَالشَّافِعِيُّونَ كَذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَأَيْنَ كَانَ الْمَالِكِيُّونَ عَنْ هَذَا النَّظَرِ حَيْثُ أَجَازُوا إذْنَ الْوَارِثِ لِلْمُوصِي فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَالْمَالُ لَمْ يَجِبْ لَهُمْ بَعْدُ , وَلاَ لَهُمْ فِيهِ حَقٌّ وَلَعَلَّهُ هُوَ يَرِثُهُمْ أَوْ لَعَلَّهُ سَيَحْدُثُ لَهُ وَلَدٌ يَحْجُبُهُمْ وَأَيْنَ كَانُوا عَنْ هَذَا النَّظَرِ فِي إجَازَتِهِمْ الطَّلاَقَ قَبْلَ النِّكَاحِ , وَالْعِتْقَ قَبْلَ الْمِلْكِ , فَأُعْجِبُوا لِهَذِهِ التَّخَالِيطِ. وَبِهِ يَقُولُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي الرَّجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا دَارٌ أَوْ أَرْضٌ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ : أُرِيدُ أَنْ أَبِيعَ وَلَك الشُّفْعَةُ فَاشْتَرِ مِنِّي , فَقَالَ لَهُ الآخَرُ : لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ , قَدْ أَذِنْت لَك أَنْ تَبِيعَ , فَبَاعَ , ثُمَّ يَأْتِي طَالِبُ الشُّفْعَةِ فَيَقُولُ قَدْ قَامَ الثَّمَنُ وَأَنَا أَحَقُّ , قَالَ الْحَكَمُ : لاَ شَيْءَ لَهُ إذَا أَذِنَ. قَالَ سُفْيَانُ : وَبِهِ نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ , وَإِسْحَاقَ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَأَحَدُ قَوْلَيْ أَحْمَدَ : وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. فإن قال قائل : قَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَفِيهِ : لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ قلنا : لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ , وَهُوَ قَدْ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ سَمَاعًا فَإِنَّهُ حَدَّثَهُ بِهِ مَنْ لَمْ يُسَمِّهِ عَنْ جَابِرٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ آخِرُ الْخَبَرِ حَاكِمًا عَلَى أَوَّلِهِ , وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ , صَحَّ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ : رَبْعَةٍ , أَوْ حَائِطٍ , لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ , فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) قال أبو محمد : فَإِنَّمَا جَعَلَهُ عليه السلام بَعْدَ الْبَيْعِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ أَحَقَّ فَقَطْ , فَلاَحَ أَنَّ الْحَقَّ فِي الأَخْذِ أَوْ التَّرْكِ بَعْدَ الْبَيْعِ إلَى الشَّفِيعِ إذَا لَمْ يُؤْذَنْ قَبْلَ الْبَيْعِ فَإِنْ أَبْطَلَهُ بَطَلَ وَإِنْ أَجَازَهُ فَحِينَئِذٍ جَازَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ شُفْعَةَ إِلاَّ فِي الْبَيْعِ وَحْدَهُ , وَلاَ شُفْعَةَ فِي صَدَاقٍ ، وَلاَ فِي إجَارَةٍ , وَلاَ فِي هِبَةٍ , وَلاَ غَيْرِ ذَلِكَ , وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الشُّفْعَةَ فِي الصَّدَاقِ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ قَالَ : بَلَغَنِي عَنْ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ شُفْعَةَ فِي صَدَاقٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابِهِ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِنَا , وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ الْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ , وَابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَابْنُ شُبْرُمَةَ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ فِي الصَّدَاقِ وَالشُّفْعَةِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الْعُكْلِيُّ وَالشَّافِعِيُّ : يَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِصَدَاقِ مِثْلِهَا , وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَابْنُ شُبْرُمَةَ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَمَالِكٌ : يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ وَأَوْجَبَ مَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ : الشُّفْعَةَ فِي الْإِجَارَةِ. قال أبو محمد : إنْ قِيلَ : فَهَلاَّ أَخَذْتُمْ بِإِيجَابِ الشُّفْعَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِعُمُومِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَضَائِهِ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ قلنا : لَمْ يَجُزْ مَا تَقُولُونَ ; لأََنَّ " الشُّفْعَةَ " لَيْسَتْ لَفْظَةً قَدِيمَةً إنَّمَا هِيَ لَفْظَةٌ شَرِيعِيَّةٌ لَمْ تَعْرِفْ الْعَرَبُ مَعْنَاهَا قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا لَمْ تَعْرِفْ لَفْظَةَ " الصَّلاَةِ " وَلَفْظَةَ " الزَّكَاةِ " وَلَفْظَةَ " الصِّيَامِ " وَلَفْظَةَ " الْكَفَّارَةِ " وَلَفْظَةَ " النُّسُكِ " وَلَفْظَةَ " الْحَدِّ " الْوَارِدَ كُلُّ ذَلِكَ فِي الدِّينِ , حَتَّى بَيَّنَهَا لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا لَمْ تَعْرِفْهُ الْعَرَبُ قَطُّ : مِنْ صِفَةِ الرُّكُوعِ , وَالسُّجُودِ , وَالْقِرَاءَةِ , وَمَا يُعْطَى مِنْ الأَمْوَالِ , وَمَا يُمْتَنَعُ مِنْهُ فِي رَمَضَانَ , وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ " الشُّفْعَةُ " مِنْ هَذَا الْبَابِ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَا الْمُرَادُ بِهَا حَتَّى بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ , وَلَمْ يَذْكُرْهَا غَيْرَ ذَلِكَ , فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُتَعَدَّى بِهَا بَيَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا الصَّدَاقَ , وَالْإِجَارَةَ عَلَى الْبَيْعِ قلنا : هَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّ الْقِيَاسَ كُلَّهُ بَاطِلٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْفَسَادِ ; لأََنَّ الصَّدَاقَ , وَالْإِجَارَةَ لاَ يُشْبِهَانِ الْبَيْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ , وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ أَنْ يُحْكَمَ لِلشَّيْءِ بِحُكْمِ نَظِيرِهِ , وَالْبَيْعُ تَمْلِيكٌ لِلْمَبِيعِ , وَلَيْسَتْ الْإِجَارَةُ تَمْلِيكًا لِلْمُؤَاجِرِ , إنَّمَا هِيَ إبَاحَةٌ لِلْمَنَافِعِ الْحَادِثَةِ الظَّاهِرَةِ , وَلاَ الصَّدَاقُ تَمْلِيكًا لِلرَّقَبَةِ , وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ , وَالْإِجَارَةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا لَمْ يُخْلَقْ مِنْ الْمَنَافِعِ , وَالنِّكَاحُ يَجُوزُ بِلاَ ذِكْرِ صَدَاقٍ , وَلاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ ذِكْرِ ثَمَنٍ. ثُمَّ اخْتِلاَفُهُمْ فِي ذَلِكَ أَبِصَدَاقِ مِثْلِهَا أَمْ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ بَيَانُ أَنَّهُ رَأْيٌ فَاسِدٌ مُتَعَارِضٌ لَيْسَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَوْلَى مِنْ الآخَرِ. وَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ كَانُوا عَنْ هَذَا الْقِيَاسِ فِي أَنْ يَقِيسُوا عَلَى الأَرْضِينَ فِي " الشُّفْعَةِ " سَائِرَ الأَمْوَالِ وَهَذَا أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ يَوْمًا. فَإِنْ ذَكَرُوا الْخَبَرَ الَّذِي فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ ابْتَاعَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ فَصَاحِبُ الدَّيْنِ أَوْلَى فَهَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ ; لأََنَّهُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا , فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ الشُّفْعَةِ فِيمَا عَدَا الْعَقَارِ. وَمَنْ لَمْ يَعْرِضْ عَلَى شَرِيكِهِ الأَخْذَ قَبْلَ الْبَيْعِ حَتَّى بَاعَ فَوَجَبَتْ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ لِلشَّرِيكِ , فَالشَّرِيكُ عَلَى شُفْعَتِهِ عَلِمَ بِالْبَيْعِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ , حَضَرَهُ أَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ , أَشْهَدَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ حَتَّى يَأْخُذَ مَتَى شَاءَ , وَلَوْ بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ , أَوْ يَلْفِظُ بِالتَّرْكِ فَيَسْقُطُ حِينَئِذٍ , وَلاَ يَسْقُطُ حَقُّهُ بِعَرْضِ غَيْرِ شَرِيكِهِ أَوْ رَسُولِهِ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفَ الْحَاضِرُونَ فِي هَذَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : مَتَى عَلِمَ بِالْبَيْعِ , وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ , فَإِنْ طَلَبَ فِي الْوَقْتِ أَوْ أَشْهَدَ عَلَى أَنَّهُ آخِذٌ بِشُفْعَتِهِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ أَبَدًا , وَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ ذَلِكَ سِنِينَ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ , وَلاَ طَلَبَ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَاضِرِ : أَنَّ لَهُ أَجَلَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ , فَإِنْ طَلَبَ الشُّفْعَةَ فِيهَا قُضِيَ لَهُ , وَإِنْ مَرَّتْ الثَّلاَثُ وَلَمْ يَطْلُبْ الشُّفْعَةَ بَطَلَ حَقُّهُ ، وَلاَ شُفْعَةَ لَهُ. وَقَالَ صَاحِبُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَذَلِكَ , إِلاَّ ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ يَنْتَفِعُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى أَنَّهُ طَالِبٌ بِالشُّفْعَةِ إِلاَّ بِأَنْ يَكُونَ إشْهَادُهُ بِذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْمَطْلُوبِ بِالشُّفْعَةِ , أَوْ بِحَضْرَةِ الشِّقْصِ الْمَطْلُوبِ وَقَالَ أَيْضًا : فَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ الْمَذْكُورِ شَهْرًا وَاحِدًا لاَ يَطْلُبُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ. وَقَالَ بَعْضُ كِبَارِ نُظَّارِ مُقَلِّدِي أَبِي حَنِيفَةَ : لِلشَّفِيعِ مِنْ أَمَدِ الْخِيَارِ إنْ سَكَتَ وَلَمْ يُشْهِدْ ، وَلاَ طَلَبَ مَا لِلْمَرْأَةِ الْمُخَيَّرَةِ. وَبِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُ الْبَتِّيُّ , وَابْنُ شُبْرُمَةَ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ , وَالأَوْزَاعِيُّ , إِلاَّ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ قَالَ : لاَ يُمْهَلُ إِلاَّ سَاعَةً وَاحِدَةً. وقال مالك ثَلاَثَةَ أَقْوَالٍ : مَرَّةً قَالَ : إنْ بَلَغَهُ الْبَيْعُ أَنَّ لَهُ الْقِيَامَ بِالشُّفْعَةِ فَسَكَتَ , وَلَمْ يَطْلُبْ ، وَلاَ أَشْهَدَ , فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ , وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ مَا لَمْ يَطُلْ الأَمَدُ جِدًّا دُونَ تَحْدِيدٍ فِي ذَلِكَ. وَمَرَّةً قَالَ : إنْ قَامَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى مَضَتْ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ. وقال الشافعي : إنْ تَرَكَ الطَّلَبَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ كَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ , فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ حَتَّى مَضَتْ لَهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثُمَّ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ : إنْ تَرَكَ الطَّلَبَ دُونَ عُذْرٍ مَانِعٍ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ , وَإِنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ طَالَ الأَمَدُ أَوْ قَصُرَ وَهُوَ قَوْلُ مَعْمَرٍ وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ لَهُ أَجَلَ يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَمِمَّنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ الأَزْرَقِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. قال أبو محمد : أَمَّا أَقْوَالُ مَالِكٍ كَمَا هِيَ , فَهِيَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لأََنَّهَا إمَّا تَحْدِيدٌ بِلاَ برهان , وَأَمَّا إجْمَالٌ بِلاَ تَحْدِيدٍ , فَلاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَسْقُطُ حَقُّهُ ، وَلاَ مَتَى لاَ يَسْقُطُ حَقُّهُ , وَلَيْسَ فِي الزَّمَانِ طَوِيلٌ إِلاَّ بِإِضَافَةٍ إلَى مَا هُوَ أَقْصَرُ مِنْهُ , فَالْيَوْمُ طَوِيلٌ لِمَنْ عُذِّبَ فِيهِ , وَبِالْإِضَافَةِ إلَى سَاعَةٍ وَمِائَةِ عَامٍ قَلِيلٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى عُمْرِ الدُّنْيَا مَعَ أَنَّهَا أَقْوَالٌ لَمْ تُعْهَدْ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ ، وَلاَ يُعَضِّدُهَا قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قَوْلُ سَلَفٍ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ سُفْيَانَ , وَالأَوَّلُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ , وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ فِي تَحْدِيدِ يَوْمٍ , فَهُمَا قَوْلاَنِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ ; لأََنَّهُمَا تَحْدِيدٌ بِلاَ برهان , وَلَيْسَ رَدُّ ذَلِكَ إلَى مَا جَاءَ مِنْ الأَخْبَارِ بِخِيَارِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُرَدَّ إلَى خِيَارِ الْعِدَّةِ إنْ شَاءَ ارْتَجَعَ وَإِنْ شَاءَ أَمْضَى الطَّلاَقَ وَهُوَ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ , وَهَذِهِ كُلُّهَا تَخَالِيطُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَتَحْدِيدُهُ بِشَهْرٍ , وَبِأَنْ لاَ يَكُونَ الْإِشْهَادُ إِلاَّ بِحَضْرَةِ الْمَطْلُوبِ بِالشُّفْعَةِ , أَوْ الشِّقْصِ الْمَبِيعِ فَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيك بِهِ , وَتَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ : " لَهُ مِنْ الأَمَدِ مَا لِلْمُخَيَّرَةِ " فَأَسْخَفُ قَوْلٍ سُمِعَ بِهِ ; لأََنَّهُ احْتِجَاجٌ لِلْبَاطِلِ بِالْبَاطِلِ , وَلِلْهَوَسِ بِالْهَوَسِ , وَمَا سُمِعَ بِأَحْمَقَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ فِي حُكْمِ الْمُخَيَّرَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَالْبَتِّيِّ , وَمَنْ وَافَقَهُمْ فَإِنَّ تَحْدِيدَهُمْ فِي ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ , ثُمَّ السُّكُوتِ إنْ شَاءَ قَوْلٌ بِلاَ برهان لَهُ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ وَاجِبٌ بَعْدَ الْبَيْعِ إذَا لَمْ يُؤْذِنْهُ الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ , فَأَيُّ حَاجَةٍ بِهِ إلَى الْإِشْهَادِ , أَوْ مِنْ أَيْنَ أَلْزَمُوهُ إيَّاهُ وَأَسْقَطُوا حَقَّهُ بِتَرْكِهِ هَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ , وَإِسْقَاطٌ لِحَقٍّ قَدْ وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ , فَمَا يُقَوِّيهِ الْإِشْهَادُ ، وَلاَ يُضَعِّفُهُ تَرْكُهُ فَبَطَلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ فَنَظَرْنَا فِيهِ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ الْمُمَوِّهِينَ نَزَعَ بِقَوْلٍ مَكْذُوبٍ مَوْضُوعٍ مُضَافٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الشُّفْعَةُ كَنَشْطَةِ عِقَالٍ وَالشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا. وَهَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ قَالَ : أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ شُفْعَةَ لِغَائِبٍ ، وَلاَ لِصَغِيرٍ وَالشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ مَنْ مَثَّلَ بِمَمْلُوكِهِ فَهُوَ حُرٌّ وَهُوَ مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنَّاسُ عَلَى شُرُوطِهِمْ مَا وَافَقُوا الْحَقَّ. قال أبو محمد : أَفَيَكُونُ أَعْجَبُ مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ كُلَّ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ وَاحْتِجَاجِهِمْ بِبَعْضِهِ , فَبَعْضُهُ حَقٌّ وَبَعْضُهُ بَاطِلٌ أُفٍّ لِهَذِهِ الأَدْيَانِ. وَأَمَّا الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا , فَمَا يَحْضُرُنَا الآنَ ذِكْرُ إسْنَادِهَا , إِلاَّ أَنَّهُ جُمْلَةً لاَ خَيْرَ فِيهِ , وَابْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ ضَعِيفٌ مُطْرَحٌ , وَمُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِهِ. وَأَمَّا لَفْظُ لِمَنْ وَاثَبَهَا فَهُوَ لَفْظٌ فَاسِدٌ , لاَ يَحِلُّ أَنْ يُضَافَ مِثْلُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأََنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا : مُوجِبٌ أَنْ يَلْزَمَهُ الطَّلَبُ مَعَ الْبَيْعِ لاَ بَعْدَهُ ; لأََنَّ الْمُوَاثَبَةَ فِعْلٌ مِنْ فَاعِلَيْنِ , فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلَبُهُ مَعَ الْبَيْعِ لاَ بَعْدَهُ ; لأََنَّ التَّأَنِّي فِي الْوَثْبِ لاَ يُسَمَّى مُوَاثَبَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُ الشُّفْعَةُ كَنَشْطَةِ عِقَالٍ فَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ , وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لأََنَّ نَشْطَ الْعِقَالِ : هُوَ حَلُّ الْعِقَالِ , وَكَذَلِكَ الشُّفْعَةُ ; لأََنَّهَا حَلُّ مِلْكٍ عَنْ الْمَبِيعِ وَإِيجَابُهُ لِغَيْرِهِ فَقَطْ. قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى حَقَّ الشَّفِيعِ وَاجِبًا وَجَعَلَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام الْمُصَدَّقِ أَحَقَّ , إذَا لَمْ يُؤْذَنْ قَبْلَ الْبَيْعِ , فَكُلُّ حَقٍّ ثَبَتَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ يَسْقُطُ أَبَدًا إِلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ بِسُقُوطِهِ , فَإِنْ وَقَفَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَوْ يَتْرُكَ لَزِمَهُ أَحَدُ الأَمْرَيْنِ , وَوَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ إجْبَارُهُ عَلَى أَحَدِ الأَمْرَيْنِ لأََنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ حَقَّهُ فَلاَ يَنْبَغِي لَهُ تَضْيِيعُهُ , فَهُوَ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ , وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَخْذِهِ ; أَوْ أَنْ يُبِيحَهُ لِغَيْرِهِ , وَإِلَّا فَهُوَ غَاشٌّ غَيْرُ نَاصِحٍ لأََخِيهِ الْمُنْصِفِ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ مُنِعَ حَقُّهُ وَلَمْ يُعْطَهُ , فَلَيْسَ سُقُوطُهُ عَنْ طَلَبِهِ قَطْعًا لِحَقِّهِ وَلَوْ سَكَتَ عُمْرَهُ كُلَّهُ ، وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ غُصِبَ مَالاً , أَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ أَوْ مِيرَاثٌ , أَوْ حَقٌّ مَا , فَإِنَّ سُقُوطَهُ عَنْ طَلَبِهِ لاَ يُبْطِلُهُ , وَأَنَّهُ عَلَى حَقِّهِ أَبَدًا فَمِنْ أَيْنَ خَصُّوا حَقَّ الشُّفْعَةِ مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ بِهَذِهِ التَّخَالِيطِ فَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ حَقَّهُ لَزِمَ الْمُشْتَرِي رَدُّ مَا اسْتَغَلَّ وَكَانَ كُلُّ مَا أَنْفَذَ فِيهِ مِنْ هِبَةٍ , أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ , أَوْ حَبْسٍ , أَوْ بُنْيَانٍ , أَوْ مُكَاتَبَةٍ , أَوْ مُقَاسَمَةٍ , فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا , وَتُقْلَعُ أَنْقَاضُهُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ , لاَ سِيَّمَا الْمُخَاصِمُ الْمَانِعُ , فَإِنَّ هَذَا غَاصِبٌ ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ , مَانِعٌ حَقَّ غَيْرِهِ بِلاَ مِرْيَةٍ , فَإِنْ تَرَكَ الشَّرِيكُ الأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ نَفَذَ كُلُّ ذَلِكَ وَصَحَّ , وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهُ , وَكَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ , هَذَا إذَا كَانَ إيذَانُهُ الشَّرِيكَ مُمْكِنًا لَهُ , أَوْ لِلْبَائِعِ حِينَ اشْتَرَى , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إيذَانُ الشَّرِيكِ مُمْكِنًا لِلْبَائِعِ لِعُذْرٍ مَا , أَوْ لِتَعَذُّرِ طَرِيقٍ , فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لِلشَّرِيكِ مَتَى طَلَبَهَا , وَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْغَلَّةِ حِينَئِذٍ , لَكِنَّ كُلَّ مَا أَحْدَثَ فِيهِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَمَفْسُوخٌ وَيُقْلَعُ بُنْيَانُهُ ، وَلاَ بُدَّ. برهان ذَلِكَ : قَوْلُهُ عليه السلام الَّذِي أَوْرَدْنَا قَبْلُ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَلاَ يَخْلُو بَيْعُ الشَّرِيكِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ مِنْ أَحَدِ أَوْجُهٍ ثَلاَثَةٍ , لاَ رَابِعَ لَهَا : إمَّا أَنْ يَكُونَ بَاطِلاً وَإِنْ صَحَّحَهُ الشَّفِيعُ بِتَرْكِهِ الشُّفْعَةَ وَهَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْغَلَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَخَذَ الشَّفِيعُ أَوْ تَرَكَ , وَالْخَبَرُ يُوجِبُ غَيْرَ هَذَا , بَلْ يُوجِبُ أَنَّ الشَّرِيكَ أَحَقُّ , وَأَنَّهُ إنْ تَرَكَ فَلَهُ ذَلِكَ , فَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلاً لاَحْتَاجَ إلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ آخَرَ وَهَذَا خَطَأٌ , أَوْ يَكُونُ صَحِيحًا حَتَّى يُبْطِلَهُ الشَّفِيعُ بِالأَخْذِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : لاَ يَصْلُحُ فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا مَا أَخْبَرَ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ , أَوْ يَكُونَ مَوْقُوفًا , فَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ عُلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ بَاطِلاً , وَإِنْ تَرَكَ حَقَّهُ عُلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ صَحِيحًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِبُطْلاَنِ الْوَجْهَيْنِ الأَوَّلِينَ لِقَوْلِهِ عليه السلام الشَّرِيكُ أَحَقُّ فَصَحَّ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي حَقًّا بَعْدَ حَقِّ الشَّفِيعِ. فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَ فِي هَذَا : مَتَى كَانَ الشَّفِيعُ أَحَقَّ , أَحِينَ أَخَذَ أَمْ حِينَ رَدَّ الْبَيْعَ فَإِنْ قَالُوا : مِنْ حِينِ أَخَذَ قلنا : هَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّهُ خِلاَفُ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَعَلَهُ أَحَقَّ حِينَ الْبَيْعِ , فَإِذْ هُوَ أَحَقُّ حِينَ الْبَيْعِ فَإِذَا أَخَذَ فَقَدْ أَخَذَ حَقَّهُ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ إعْلاَمُ الشَّرِيكِ , فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. فَصَحَّ بِلاَ شَكٍّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إيذَانِ الشَّرِيكِ , وَلَمْ يَسْتَطِعْهُ فَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ وَحَلَّ لَهُ الْبَيْعُ ; لأََنَّ قَوْلَهُ عليه السلام : لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ يَقْتَضِي ضَرُورَةً مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إيذَانِهِ , فَخَرَجَ عَنْ هَذَا النَّصِّ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إيذَانِهِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْبَيْعِ , وَعَاجِزٌ عَنْ الْإِيذَانِ فَمُبَاحٌ لَهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ , وَسَاقِطٌ عَنْهُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَهَذَا إذَا طَلَبَ الشَّفِيعُ وَأَخَذَ شُفْعَتَهُ , فَحِينَئِذٍ بَطَلَ الْعَقْدُ , وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ صَحِيحًا , فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَالْغَلَّةُ لَهُ ; لأََنَّهَا غَلَّةُ مَالِهِ. وَأَمَّا الْبِنَاءُ وَسَائِرُ مَا أَحْدَثَ فَقَدْ أَبْطَلَهُ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الشَّفِيعَ أَحَقُّ مِنْهُ فَإِنَّمَا أَنْفَذَ حُكْمَهُ فِيمَا غَيْرُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ فَبَطَلَ أَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ فِيمَا جَعَلَهُ تَعَالَى حَقًّا لِغَيْرِهِ لقوله تعالى : قال أبو محمد : إلْزَامُهُ قَلْعَ بِنَائِهِ وَاجِبٌ بِمَا ذَكَرْنَا , وَبِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ إبْقَاءُ أَنْقَاضِهِ فِي سَاحَةِ غَيْرِهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. ، وَلاَ يَجُوزُ إلْزَامُهُ غَرَامَةً فِي ابْتِيَاعِ مَا لاَ يُرِيدُ ابْتِيَاعَهُ مِنْ أَنْقَاضِ بِنَاءِ الْمَخْرَجِ مِنْ الأَبْتِيَاعِ لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ , فَهُوَ ظُلْمٌ مُجَرَّدٌ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ إلْزَامِهِ غَرَامَةً لِلْمَخْرَجِ عَنْ الْمِلْكِ وَبَيْنَ إبَاحَةِ أَنْقَاضِ الْمَخْرَجِ لِلشَّفِيعِ وَكُلُّ ذَلِكَ أَكْلُ مَالٍ مُحَرَّمٍ بِالْبَاطِلِ , بَلْ كُلُّ ذِي حَقٍّ أَوْلَى بِحَقِّهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام الْخِيَارَ فِي الْبَيْعِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ : الْمُصَرَّاةُ , وَمَنْ بَايَعَ وَقَالَ : لاَ خِلاَبَةَ فَهَذَانِ خِيَارُهُمَا ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فَقَطْ. وَمَنْ تُلُقِّيَتْ سِلْعَتُهُ فَهَذَا لَهُ الْخِيَارُ إذَا دَخَلَ السُّوقَ , لاَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَمَنْ وَجَدَ عَيْبًا لَمْ يُبَيَّنْ لَهُ بِهِ , وَلاَ شَرَطَ السَّلاَمَةَ مِنْهُ. وَالشَّرِيكُ يَبِيعُ مَعَ غَيْرِ شَرِيكِهِ ، وَلاَ يُؤْذِنُهُ. فَهَؤُلاَءِ لَهُمْ الْخِيَارُ بِلاَ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ إِلاَّ حَتَّى يُقِرُّوا بِتَرْكِ حَقِّهِمْ : فَوَجَدْنَا مُشْتَرِي الْمُصَرَّاةِ , وَمَنْ بَايَعَ عَلَى أَنْ لاَ خِلاَبَةَ : يَنْقَضِي خِيَارُهُمَا بِتَمَامِ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمَا خِيَارٌ بَعْدَهَا , وَيَلْزَمُهُمَا الشِّرَاءُ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا , إذْ لَوْ وَقَعَ فَاسِدًا لَمْ يَلْزَمْ أَصْلاً إِلاَّ بِتَجْدِيدِ عَقْدٍ , فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا بِمَا ذَكَرْنَا , وَأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فَاسِدًا لَمْ يُخَيَّرْ فِي إمْضَائِهِ أَوْ فِي رَدِّهِ , بَلْ كَانَ يَكُونُ بَاطِلاً لاَ خِيَارَ لأََحَدٍ فِي تَصْحِيحِهِ , فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ وَقَعَ صَحِيحًا , ثُمَّ جَعَلَ تَعَالَى لِلْمُشْتَرِي رَدَّهُ إنْ شَاءَ. فَصَحَّ أَنَّ الْغَلَّةَ لَهُ رَدَّ أَوْ أَخَذَ لأََنَّهَا حَدَثَتْ فِي مَالِهِ. وَوَجَدْنَا مَنْ تَلَقَّى السِّلَعَ فَابْتَاعَ , وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لِلْبَائِعِ خِيَارًا إِلاَّ بَعْدَ دُخُولِهِ إلَى السُّوقِ , وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ خِيَارًا.فَصَحَّ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ , وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ التَّلَقِّي , وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الأَبْتِيَاعِ ; لأََنَّ التَّلَقِّيَ غَيْرُ الأَبْتِيَاعِ فَهُمَا فِعْلاَنِ , أَحَدُهُمَا غَيْرُ الآخَرِ نَهَى عَنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الآخَرِ , لَكِنْ جُعِلَ لِلْبَائِعِ خِيَارٌ فِي رَدِّهِ أَوْ إمْضَائِهِ وَلَوْ وَقَعَ فَاسِدًا لَبَطَلَ جُمْلَةً. فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنَّ الْعِلَّةَ لِلْمُشْتَرِي فِي رَدِّ الْبَائِعِ الْبَيْعَ , أَوْ إجَازَتِهِ. وَوَجَدْنَا [ أَيْضًا ] مَنْ وَجَدَ عَيْبًا لَمْ يُبَيَّنْ لَهُ بِهِ , وَلاَ شَرَطَ السَّلاَمَةَ مِنْهُ , لَهُ الْخِيَارُ أَيْضًا فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ رَدِّهِ , فَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ صَحِيحًا , إذْ لَوْ وَقَعَ فَاسِدًا لَمْ يَجُزْ إمْضَاؤُهُ , فَوَجَبَ أَيْضًا أَنَّ الْغَلَّةَ لَهُ , رَدَّ أَوْ أَخَذَ. وَبَقِيَ أَمْرُ الشَّفِيعِ فَوَجَدْنَاهُ بِخِلاَفِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْبُيُوعِ ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْمَنْعِ مِنْ الْبُيُوعِ الْمَذْكُورَةِ , بَلْ جَاءَ النَّصُّ بِإِجَازَتِهَا كَمَا قَدَّمْنَا , وَبَانَ الدَّلِيلُ بِأَنَّهَا وَقَعَتْ صَحِيحَةً. وَوَجَدْنَا مَنْ يُمْكِنُهُ إيذَانُ شَرِيكِهِ فَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِأَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَهُ , فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ هَذَا اللَّفْظُ وَحْدَهُ لَوَجَبَ بُطْلاَنُ الْعَقْدِ بِكُلِّ حَالٍ , لَكِنْ لَمَّا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّرِيكَ أَحَقَّ , وَأَبَاحَ لَهُ الأَخْذَ أَوْ التَّرْكَ : وَجَبَ أَنَّهُ مُرَاعًى كَمَا ذَكَرْنَا , فَإِنْ أَخَذَ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُمْضِ ذَلِكَ الْعَقْدَ , بَلْ أَبْطَلَهُ. فَصَحَّ أَنَّهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَزِمَهُ رَدُّ الْغَلَّةِ , وَإِنْ تَرَكَ الأَخْذَ فَقَدْ أَجَازَهُ. فَصَحَّ أَنَّهُ انْعَقَدَ جَائِزًا. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِيذَانُ فَلَمْ يَأْتِ النَّصُّ فِيهِ بِأَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ , وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ , إِلاَّ أَنَّ لِلشَّرِيكِ الأَخْذَ أَوْ التَّرْكَ , فَإِنْ أَخَذَ فَحِينَئِذٍ بَطَلَ الْعَقْدُ , لاَ قَبْلَ ذَلِكَ , فَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي هَاهُنَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ لِلْبَدْوِيِّ , وَلِلسَّاكِنِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ , وَلِلْغَائِبِ , وَلِلصَّغِيرِ إذَا كَبُرَ , وَلِلْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ , وَلِلذِّمِّيِّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام : فَشَرِيكُهُ أَحَقُّ بِهِ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ السَّلَفِ : لاَ شُفْعَةَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ : لاَ شُفْعَةَ لِمَنْ لاَ يَسْكُنُ الْمِصْرَ , وَلاَ لِلذِّمِّيِّ. وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ : لاَ شُفْعَةَ لِذِمِّيٍّ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ : لاَ شُفْعَةَ لِغَائِبٍ , وَقَالَهُ أَيْضًا الْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ , وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ , قَالاَ : إِلاَّ الْقَرِيبَ الْغَيْبَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : لاَ شُفْعَةَ لِصَغِيرٍ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةً أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ , فَإِنْ تَرَكَ وَلِيُّ الصَّغِيرِ , أَوْ الْمَجْنُونِ الأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا لَهُمَا لَزِمَهُمَا ; لأََنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ النَّصِيحَةِ لَهُمَا , وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ لَيْسَ نَظَرًا لَهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا , وَلَهُمَا الأَخْذُ أَبَدًا ; لأََنَّهُ فَعَلَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ غِشِّهِمَا فَإِنْ بَاعَ الشِّقْصَ بِعَرَضٍ , أَوْ بِعَقَارٍ لَمْ يَجُزْ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ إِلاَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْعَقَارِ , أَوْ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَرَضِ , فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ أَصْلاً فَالْمَطْلُوبُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَلْزَمَهُ قِيمَةُ الْعَرَضِ أَوْ الْعَقَارِ , وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ الشِّقْصَ وَيَلْزَمَهُ مِثْلُ ذَلِكَ الْعَقَارِ , أَوْ مِثْلُ ذَلِكَ الْعَرَضِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ ; لأََنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَقَعْ إِلاَّ بِذَلِكَ الْعَرَضِ أَوْ ذَلِكَ الْعَقَارِ , وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَخْذُ الشِّقْصِ إِلاَّ بِمَا رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ سَوَاءٌ عَرَضَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ أَخَذَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ , هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ ; فَلاَ يَجُوزُ إجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى أَخْذِ غَيْرِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَقَدْ تَعَيَّنَ لَهُ قِبَلَهُ عَرَضٌ أَوْ عَقَارٌ عَجَزَ عَنْهُ , وَقَالَ تَعَالَى : {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} فَلَهُ الأَقْتِصَاصُ بِالْقِيمَةِ الَّتِي هِيَ مِثْلُ حُرْمَةِ الْمَالِ الَّذِي لَهُ عِنْدَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ بَاعَ شِقْصَهُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَالشَّفِيعُ أَحَقُّ بِهِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الأَجَلِ. وقال مالك : إنْ كَانَ مَلِيًّا أَخَذَ الشِّقْصَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الأَجَلِ , وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَضَمِنَهُ مَلِيءٌ وَإِلَّا فَلاَ. وقال الشافعي : وَأَبُو حَنِيفَةَ : لاَ يَأْخُذُهُ إِلاَّ بِالنَّقْدِ , فَإِنْ أَبَى قِيلَ لَهُ : اصْبِرْ , فَإِذَا جَاءَ الأَجَلُ فَخُذْهَا حِينَئِذٍ. قَالَ عَلِيٌّ : احْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا : إنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ ذِمَّةَ الشَّرِيكِ وَقَدْ يُعْسِرُ قَبْلَ الأَجَلِ. قال أبو محمد : هَذَا لاَ شَيْءَ , وَنَقُولُ لَهُمْ : إنْ كَانَ لَمْ يَرْضَ ذِمَّةَ الشَّرِيكِ فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ مُرَاعَاةُ رِضَاهُ وَسَخَطِهِ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَرْضَ مُعَامَلَتَهُ , وَقَدْ يُعْسِرُ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ أَيْضًا , فَالأَرْزَاقُ مَقْسُومَةٌ , وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَالشَّرِيكُ أَحَقُّ مُوجِبٌ لَهُ الأَخْذُ بِمَا يَبِيعُ بِهِ جُمْلَةً وَتَفْضِيلُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَى فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَوْ أَنَّ الشَّرِيكَ بَعْدَ بَيْعِ شَرِيكِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذِنَهُ بَاعَ أَيْضًا حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ الشَّرِيكِ الْبَائِعِ , أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ , أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ عَلِمَ بِأَنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ , أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَالشُّفْعَةُ لَهُ كَمَا كَانَتْ ; لأََنَّهُ حَقٌّ قَدْ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فَلاَ يُسْقِطُهُ عَنْهُ بَيْعُ مَالِهِ , وَلاَ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ وَجَبَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ وَلَا مَالَ لَهُ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُهْمَلَ , لَكِنْ يُبَاعُ ذَلِكَ الشِّقْصُ عَلَيْهِ , فَإِنْ وَفَّى بِالثَّمَنِ فَذَلِكَ , وَإِنْ فَضَلَتْ فَضْلَةٌ دُفِعَتْ إلَيْهِ , وَإِنْ لَمْ يَفِ اُتُّبِعَ بِالْبَاقِي , وَأُنْظِرَ فِيهِ أَنْ يُوسِرَ , وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ذُو مَالٍ بِذَلِكَ الشِّقْصِ الْوَاجِبِ لَهُ . وَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَلَيْسَ ذَا عُسْرَةٍ , لَكِنْ يُبَاعُ مَالُهُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ , فَإِنْ لَمْ يَفِ فَهُوَ حِينَئِذٍ ذُو عُسْرَةٍ بِالْبَاقِي فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ حِينَئِذٍ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى . . وَقَالَ قَوْمٌ : يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الشُّفْعَةِ , وَهَذَا بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ إخْرَاجُ حَقِّهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَقَّ بِهِ عَنْ يَدِهِ بِلَا بُرْهَانٍ , وَهَذَا لَا يَجُوزُ . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . وَإِنْ مَاتَ الشَّفِيعُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ : أَنَا آخُذُ شُفْعَتِي فَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ ، وَلاَ حَقَّ لِوَرَثَتِهِ فِي الأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَصْلاً ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا جَعَلَ الْحَقَّ لَهُ لاَ لِغَيْرِهِ , وَالْخِيَارُ لاَ يُوَرَّثُ , وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ فُضَيْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ : سَمِعْنَا أَنَّ الشُّفْعَةَ لاَ تُبَاعُ ، وَلاَ تُوهَبُ ، وَلاَ تُوَرَّثُ ، وَلاَ تُعَارُ , هِيَ لِصَاحِبِهَا الَّذِي وَقَعَتْ لَهُ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , وَأَحْمَدَ , وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ. وقال مالك , وَالشَّافِعِيُّ : الشُّفْعَةُ لِوَرَثَتِهِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا : تُوَرَّثُ الشُّفْعَةُ كَمَا يُوَرَّثُ الْعَفْوُ فِي الدَّمِ أَوْ الْقِصَاصِ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا أُوهِمُوا بِهِ غَيْرَ هَذَا , وَهَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّهَا دَعْوَى بِلاَ برهان ثُمَّ هُوَ احْتِجَاجٌ لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ. وَقَوْلُهُمْ : إنَّ الْعَفْوَ وَالْقِصَاصَ يُوَرَّثَانِ , خَطَأٌ , بَلْ هُمَا لِمَنْ جَعَلَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ ذُكُورِ الأَوْلِيَاءِ فَقَطْ , وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمِيرَاثَ فِي الأَمْوَالِ , لاَ فِيمَا لَيْسَ مَالاً , وَلَوْ وُرِّثَ الْخِيَارُ لَوَجَبَ أَنْ يُوَرَّثَ عِنْدَهُمْ فِيمَنْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ وَخَيَّرَهُ فِي طَلاَقِهَا أَوْ إبْقَائِهَا , فَمَاتَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ , فَكَانَ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنْ يَرِثَ وَرَثَتُهُ مَا جُعِلَ لَهُ مِنْ الْخِيَارِ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ هَذَا. وَنَسْأَلُهُمْ أَيْضًا : لِمَنْ يَأْخُذُونَ الْوَرَثَةَ بِالشُّفْعَةِ , أَلِلْمَيِّتِ أَمْ لأََنْفُسِهِمْ فَإِنْ قَالُوا : لِلْمَيِّتِ قلنا : هَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّ الْمَيِّتَ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا. وَإِنْ قَالُوا : لأََنْفُسِهِمْ قلنا : هَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّ شَرِكَتَهُمْ إنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلاَ تُوجَدُ شُفْعَةٌ , وَلَمْ يَكُونُوا حِينَ الْبَيْعِ شُرَكَاءَ , فَلَمْ تَجِبْ لَهُمْ شُفْعَةٌ. وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ , وَخَالَفُوا جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ ; لأََنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ أَحَدَ الأَوْلِيَاءِ الَّذِي لَهُمْ الْعَفْوُ أَوْ الْقِصَاصُ إنْ مَاتَ وَتَرَكَ زَوْجَةً وَبَنَاتٍ لَمْ يَرِثْنَ الْخِيَارَ الَّذِي لَهُ. وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ ; لأََنَّهُمْ يُوَرِّثُونَ الْعَفْوَ وَالْقِصَاصَ ، وَلاَ يُوَرِّثُونَ الْخِيَارَ هَاهُنَا , فأما إذَا بَلَغَ الشَّرِيكَ أَمْرُ الْبَيْعِ فَقَالَ : أَنَا آخُذُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ مَاتَ فَقَدْ صَحَّتْ لَهُ , وَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ حِينَئِذٍ , وَلِوَرَثَتِهِ الطَّلَبُ ; لأََنَّهَا حِينَئِذٍ مَالٌ قَدْ تَمَّ لَهُ. وَلاَ مَعْنَى لِلطَّلَبِ عِنْدَ الْقَاضِي , وَلاَ لِحُكْمِ الْقَاضِي ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قَطُّ ، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا جُعِلَ الْقَاضِي لِيُجْبِرَ الْمُمْتَنِعَ مِنْ الْحَقِّ فَقَطْ ، وَلاَ مَزِيدَ , وَلَوْ تَعَاطَى النَّاسُ الْحُقُوقَ بَيْنَهُمْ مَا اُحْتِيجَ إلَى قَاضٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ بَاعَ شِقْصًا أَوْ سِلْعَةً مَعَهُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَجَاءَ الشَّفِيعُ يَطْلُبُ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكَ الْكُلَّ وَهَذَا قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَسَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَاضِيَيْنِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ طَرِيقٍ خَامِلَةٍ. وقال أبو حنيفة فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ , وَسُفْيَانُ , وَمَالِكٌ , وَابْنُ شُبْرُمَةَ , وَالشَّافِعِيُّ : يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ , وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ فِي الشُّفْعَةِ مَا لاَ شُفْعَةَ فِيهِ , وَلاَ يُقْطَعُ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا فِيهِ شُفْعَةٌ بِالنَّصِّ. قَالَ عَلِيٌّ : لَيْسَ لِلشَّفِيعِ بَعْدَ الْبَيْعِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ إذَا أَذِنَهُ الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ , وَالنَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ قَدْ بَيَّنَّا بِأَنَّهُ لاَ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ إِلاَّ مَا رَضِيَ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ , قَالَ تَعَالَى : وَكَذَلِكَ لَوْ حَضَرَ عِنْدَ الْبَيْعِ , وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ إِلاَّ مَا كَانَ حَقَّهُ لَوْ أَخَذَهُ إذَا عَرَضَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْعَرْضِ قَبْلَ الْبَيْعِ تَبْعِيضُ مَا لاَ يُرِيدُ الْبَائِعُ تَبْعِيضَهُ , فَإِنَّمَا لَهُ الآنَ مَا كَانَ لَهُ حِينَئِذٍ ، وَلاَ مَزِيدَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَأَيْضًا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ الْمُشْتَرِي بَعْضَ صَفْقَةٍ لَمْ يَرْضَ قَطُّ تَبْعِيضَهَا , وَلاَ أَنْ يَفْسَخَ عَنْ الْبَائِعِ بَيْعًا وَقَعَ صَحِيحًا إِلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ , وَلاَ نَصَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ. فَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِتَسْلِيمِ الشِّقْصِ وَحْدَهُ فَقَدْ قِيلَ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ غَيْرُهُ , لأََنَّهُ كَرِضَا الْبَائِعِ بِذَلِكَ حِينَ الْإِيذَانِ. وَالأَوْلَى عِنْدَنَا : أَنَّ الشَّرِيكَ أَحَقُّ بِجَمِيعِ الصَّفْقَةِ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ ; لأََنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ , وَعَقْدٌ وَاحِدٌ , إمَّا تَصِحُّ فَتَصِحُّ كُلُّهَا , وَأَمَّا تَفْسُدُ فَتَفْسُدُ كُلُّهَا , وَلاَ يُمْكِنُ تَبْعِيضُ عَقْدٍ وَاحِدٍ بِتَصْحِيحِ بَعْضِهِ وَإِفْسَادِ بَعْضِهِ إِلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ. وَمَنْ كَانَ لَهُ شُرَكَاءُ فَبَاعَ مِنْ أَحَدِهِمْ كَانَ لِلشُّرَكَاءِ مُشَارَكَتُهُ فِيهِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حِصَّتِهِ مِمَّا اشْتَرَى كَأَحَدِهِمْ , لأََنَّهُ شَرِيكٌ وَهُمْ شُرَكَاءُ , فَهُوَ دَاخِلٌ مَعَهُمْ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَشَرِيكُهُ أَحَقُّ وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ : لاَ حِصَّةَ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا خِلاَفُ النَّصِّ كَمَا ذَكَرْنَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا بَاعَ مِنْ أَحَدِ شُرَكَائِهِ فَلاَ شُفْعَةَ لِلآخَرِينَ مِنْهُمْ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ , وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ قال علي : وهذا خِلاَفُ النَّصِّ أَيْضًا. فَلَوْ كَانَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ غُيَّبًا فَاشْتَرَى أَحَدُهُمْ فَكَذَلِكَ أَيْضًا , وَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَقُولَ : لاَ آخُذُ إِلاَّ حِصَّتِي لأََنَّ الْبَائِعَ لاَ يَرْضَى بِبَيْعِ بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فِيمَنْ بَاعَ شِقْصًا وَسِلْعَةً. فَلَوْ بَاعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَحَضَرَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إِلاَّ حِصَّتَهُ فَقَطْ فِي قَوْلِ قَوْمٍ وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ : إنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ أَخْذُ الْكُلِّ أَوْ تَرْكُ الْكُلِّ ; لأََنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِينَ الْإِيذَانِ إِلاَّ ذَلِكَ , فَإِنَّمَا هُوَ أَحَقُّ بِمَا كَانَ حَقَّهُ حِينَ الْإِيذَانِ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ بَاعَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ , أَوْ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ , أَوْ بَاعَ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا , فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّ حِصَّةٍ شَاءَ وَيَدَعَ أَيَّهَا شَاءَ , وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ ; لأََنَّهَا عُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَعًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِنْ كَانَ شُرَكَاءُ فِي شَيْءٍ بَعْضُهُمْ بِمِيرَاثٍ , وَبَعْضُهُمْ بِبَيْعٍ , وَبَعْضُهُمْ بِهِبَةٍ , وَفِيهِمْ إخْوَةٌ وَرِثُوا أَبَاهُمْ مَا كَانَ أَبُوهُمْ وَرِثَهُ مَعَ أَعْمَامِهِمْ , فَبَاعَ أَحَدُهُمْ فَالْجَمِيعُ شُفَعَاءُ عَلَى عَدَدِهِمْ , لَيْسَ الأَخُ أَوْلَى بِحِصَّةِ أَخِيهِ مِنْ عَمِّهِ , وَلاَ مِنْ امْرَأَةِ أَبِيهِ , وَلاَ مِنْ امْرَأَةِ جَدِّهِ , وَلاَ مِنْ الأَجْنَبِيِّ ; لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَشَرِيكُهُ أَحَقُّ وَكُلُّهُمْ شَرِيكُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ. وقال مالك : إنْ كَانَ إخْوَةُ الْأُمِّ وَزَوْجَاتٌ وَبَنَاتٌ وَأَخَوَاتٌ وَعَصَبَةٌ فَبَاعَ أَحَدُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فَسَائِرُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ إحْدَى الزَّوْجَاتِ فَسَائِرُهُنَّ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ , وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ أَحَدُ الْبَنَاتِ فَسَائِرُهُنَّ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ إحْدَى الأَخَوَاتِ فَسَائِرُهُنَّ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ , ثُمَّ نَاقَضَ فَقَالَ : لَوْ بَاعَ أَحَدُ الْعُصْبَةِ لَمْ يَكُنْ سَائِرُ الْعُصْبَةِ أَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ , بَلْ يَأْخُذُهَا مَعَهُمْ الْبَنَاتُ , وَالزَّوْجَاتُ , وَالأَخَوَاتُ , وَالْإِخْوَةُ لأَُمٍّ. قَالَ : فَلَوْ اشْتَرَى بَنَاتُ إنْسَانٍ شِقْصًا وَاشْتَرَى أَخَوَاتُهُ شِقْصًا آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ , وَاشْتَرَى أَجْنَبِيُّونَ شِقْصًا ثَالِثًا مِنْهُ فَبَاعَ إحْدَى الْبَنَاتِ أَوْ إحْدَى الأَخَوَاتِ لَمْ يَكُنْ أَخَوَاتُهَا أَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ عَمَّتِهَا , وَلاَ مِنْ الأَجْنَبِيِّينَ. قَالَ : وَلَوْ كَانَ وَرَثَةٌ وَمُشْتَرُونَ فِي شَيْءٍ فَبَاعَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فَلِلأَجْنَبِيِّ الشُّفْعَةُ فِي ذَلِكَ مَعَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ , وَهَذَا كَلاَمٌ يُغْنِي إيرَادُهُ عَنْ تَكَلُّفِ إفْسَادِهِ لِفُحْشِ تَنَاقُضِهِ , وَظُهُورِ فَسَادِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ بَاعَ شِقْصًا وَلَهُ شُرَكَاءُ لأََحَدِهِمْ مِائَةُ سَهْمٍ , وَلأَخَرَ عِشْرُونَ , وَلأَخَرَ عُشْرُ الْعُشْرِ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ : فَكُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي الأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ , وَيَقْتَسِمُونَ مَا أَخَذُوا بِالسَّوَاءِ , وَلاَ مَعْنَى لِتَفَاضُلِ حِصَصِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ , وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَابْنُ شُبْرُمَةَ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابِهِ , وَشَرِيكٍ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَشْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عُبَيْدَةَ : وَأَشْعَثَ قَالَ عُبَيْدَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ , وَأَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ , قَالاَ جَمِيعًا : الشُّفْعَةُ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ , قَالَ هُشَيْمٌ : وَبِهِ كَانَ يَقْضِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ عَلَى قَدْرِ الأَنْصِبَاءِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ : وَابْنِ سِيرِينَ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ , وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَإِسْحَاقُ , وَأَبُو عُبَيْدٍ قَالَ عَلِيٌّ : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَشَرِيكُهُ تَسْوِيَةٌ بَيْنَ جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ وَلَوْ كَانَ هُنَالِكَ مُفَاضَلَةً لَبَيَّنَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُجْمِلْ الأَمْرَ : فَبَطَلَتْ الْمُفَاضَلَةُ. وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلاَنٍ , فَإِنَّهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ ، وَلاَ يَقْتَسِمُونَهَا عَلَى حِصَصِ الْمِيرَاثِ , وَإِنَّمَا اسْتَحَقُّوهَا بِكَوْنِهِمْ مِنْ الْوَرَثَةِ. وَلاَ شُفْعَةَ إِلاَّ بِتَمَامِ الْبَيْعِ بِالتَّفْرِيقِ أَوْ التَّخْيِيرِ لأََنَّهَا لَيْسَ بَيْعًا قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ كُلِّ مَنْ يَقُولُ بِتَفَرُّقِ الأَبَدَانِ. وَالشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الأَجْزَاءُ مَقْسُومَةً إذَا كَانَ الطَّرِيقُ إلَيْهَا وَاحِدًا مُتَمَلَّكًا نَافِذًا أَوْ غَيْرَ نَافِذٍ لَهُمْ , فَإِنْ قُسِّمَ الطَّرِيقُ أَوْ كَانَ نَافِذًا غَيْرَ مُتَمَلَّكٍ لَهُمْ فَلاَ شُفْعَةَ حِينَئِذٍ كَانَ مُلاَصِقًا أَوْ لَمْ يَكُنْ. برهان ذَلِكَ : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ فَلَمْ يَقْطَعْهَا عليه السلام إِلاَّ بِاجْتِمَاعِ الأَمْرَيْنِ مَعًا , وُقُوعُ الْحُدُودِ , وَصَرْفُ الطُّرُقِ , لاَ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ. وَلاَ يَقْطَعُ الشُّفْعَةَ قِسْمَةٌ فَاسِدَةٌ قَبْلَ الْبَيْعِ ; لأََنَّهَا لَيْسَتْ قِسْمَةً. ، وَلاَ يَقْطَعُهَا قِسْمَةٌ صَحِيحَةٌ بَعْدَ الْبَيْعِ ; لأََنَّ الْحَقَّ قَدْ وَجَبَ قَبْلَهَا. وقال أبو حنيفة , وَسُفْيَانُ : الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ , فَإِنْ تَرَكَ , أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ , فَلِشَرِيكِهِ فِي الطَّرِيقِ , وَإِنْ كَانَتْ الأَرْضُ أَوْ الدَّارُ قَدْ قُسِّمَتْ , فَإِنْ تَرَكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ الْمُلاَصِقِ , وَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ قَدْ وَقَعَتْ وَالطَّرِيقُ غَيْرُ الطَّرِيقِ , وَلاَ شُفْعَةَ لِجَارٍ غَيْرِ مُلاَصِقٍ. وقال مالك , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَحْمَدُ , وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ : لاَ شُفْعَةَ إِلاَّ لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ فَقَطْ. وَقَالَ آخَرُونَ : الشُّفْعَةُ لِكُلِّ جَارٍ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا , وَرُوِيَ فِي كُلِّ ذَلِكَ آثَارٌ : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : إذَا قُسِّمَتْ الأَرْضُ وَحُدِّدَتْ فَلاَ شُفْعَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلاَ شُفْعَةَ , وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ : إذَا ضُرِبَتْ الْحُدُودُ فَلاَ شُفْعَةَ. وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ , وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِي الأَرْضِينَ , وَالدُّورِ , وَلاَ تَكُونُ إِلاَّ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ. قال أبو محمد : يَخْرُجُ كُلُّ هَذَا عَلَى وُجُوبِ الشُّفْعَةِ مَعَ الْقِسْمَةِ إذَا بَقِيَ الطَّرِيقُ مُتَمَلَّكًا غَيْرَ مَقْسُومٍ ; لأََنَّ الْحُدُودَ لَمْ تُضْرَبْ بَعْدُ وَالْقِسْمَةَ لَمْ تَتِمَّ. وَصَحَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ وَأَبِي الزِّنَادِ وَرَبِيعَةَ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بَيَّنَّا , وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَنَا عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ أَنَّهُ حَضَرَ مَعَ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ , وَأَبِي رَافِعٍ فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ لِلْمِسْوَرِ : أَلاَ تَأْمُرُ هَذَا يَعْنِي سَعْدًا فَيَشْتَرِيَ مِنِّي بَيْتَيَّ اللَّذَيْنِ فِي دَارِهِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : وَاَللَّهِ لاَ أَزِيدُكَ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ مُقَطَّعَةً أَوْ قَالَ مُنَجَّمَةً , فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ : إنْ كُنْتُ لاََمْنَعُهُمَا مِنْ خَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ نَقْدًا , وَلَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا بِعْتُكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ يَقْضِي بِالْجِوَارِ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ لاَ يَقْضِيَ بِهِ إِلاَّ مَا كَانَ بَيْنَ جَارَيْنِ مُخْتَلِطَيْنِ أَوْ دَارٍ يُغْلَقُ عَلَيْهَا بَابٌ وَاحِدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ مُوسَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ : إذَا قُسِّمَتْ الأَرْضُ وَحُدَّتْ وَصُرِّفَتْ طُرُقُهَا فَلاَ شُفْعَةَ فَهَذَا كُلُّهُ قَوْلٌ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا ; لأََنَّهُمْ كُلَّهُمْ لَمْ يُخَالِفُوا أَبَا رَافِعٍ فِي رُؤْيَتِهِ الشُّفْعَةَ فِي الْمَقْسُومِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ وَاحِدًا مُتَمَلَّكًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ شُرَيْحٌ : كَتَبَ إلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اقْضِ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ زَادَ بَعْضُهُمْ : الْمُلاَزِقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ كَانَ يَقْضِي بِالْجِوَارِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرِو عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : الْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الْجَارِ وَالْجَارُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ فَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرُوِّينَا مِثْلَهُ عَنْ قَتَادَةَ , وَالْحَسَنِ , وَحَمَّادٍ , وَقَالُوا كُلُّهُمْ : لاَ شُفْعَةَ لِجَارٍ غَيْرِ مُلاَصِقٍ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ غَيْرُ مُتَمَلَّكَةٍ. وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُوس أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إذَا قُسِّمَتْ الأَرْضُ فَلاَ شُفْعَةَ فَقَالَ : لاَ , الْجَارُ أَحَقُّ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَسْكَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ فِي الْجَارِ : الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ يَعْنِي فِي الشُّفْعَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ مُطْلَقًا بَعْدَ الشَّرِيكِ. وَقَالَ آخَرُونَ : الْجَارُ الَّذِي تَجِبُ لَهُ الشُّفْعَةُ أَرْبَعُونَ دَارًا حَوْلَ الدَّارِ. وَقَالَ آخَرُونَ : مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الدَّارِ أَرْبَعُونَ دَارًا. وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ كُلُّ مَنْ صَلَّى مَعَهُ صَلاَةَ الصُّبْحِ فِي الْمَسْجِدِ. وقال بعضهم : أَهْلُ الْمَدِينَةِ كُلُّهُمْ جِيرَانُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَيْزَارِ سَمِعْت أَبَا قِلاَبَةَ يَقُولُ : الْجِوَارُ أَرْبَعُونَ دَارًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَرَجٍ ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ أَنَا أَبِي قَالَ : ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ سَمِعْت الْحَسَنَ يَقُولُ : أَرْبَعُونَ دَارًا هَاهُنَا وَأَرْبَعُونَ دَارًا هِيَ مِنْ جَوَانِبِهَا الأَرْبَعِ أَرْبَعُونَ أَرْبَعُونَ أَرْبَعُونَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ خَالِي ، حَدَّثَنَا عَلَيَّ بْن الْمَدِينِيّ ، حَدَّثَنَا ابْن أَبِي زَائِدَة عَنْ إِسْحَاق بْن فائد سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ : مَنْ جَارُ الرَّجُلِ قَالَ : مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ الْغَدَاةَ. قال أبو محمد : وَلاَ يَحْضُرُنَا الآنَ ذِكْرُ اسْمِ مَنْ قَالَ : هُمْ جَمِيعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلاَّ أَنَّهُ قَوْلٌ قَدْ قِيلَ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا مَنْ حَدَّ بِأَرْبَعِينَ دَارًا , أَوْ بِصَلاَةِ الْغَدَاةِ , أَوْ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ , فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِالْخَبَرِ الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ إِلاَّ أَنَّ تَحْدِيدَ الأَرْبَعِينَ ; وَصَلاَةَ الْغَدَاةِ , لاَ وَجْهَ لَهُ , فَنَظَرْنَا فِي الْخَبَرِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ هَؤُلاَءِ فَوَجَدْنَا مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ. وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَرْوَزِيِّ ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ وَالْجِوَارِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا يَنْتَظِرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : اشْتَرَيْتُ أَرْضًا إلَى جَنْبِ أَرْضِ رَجُلٍ فَقَالَ : أَنَا أَحَقُّ بِهَا فَاخْتَصَمْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لَهُ فِي أَرْضِي طَرِيقٌ ، وَلاَ حَقٌّ فَقَالَ عليه السلام هُوَ أَحَقُّ بِهَا فَقَضَى لَهُ بِالْجِوَارِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ أَيْضًا ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الْحَكَمِ عَمَّنْ سَمِعَ عَلِيًّا , وَابْنَ مَسْعُودٍ قَالاَ جَمِيعًا : قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِوَارِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَبِالأَرْضِ يَعْنِي فِي الشُّفْعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حُبَابٍ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حُبَابٍ , أَخْطَأَ فِيهِ عِيسَى إنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْحَسَنِ. وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَوَّارٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُعَلَّى ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ الْيَمَامِيُّ عَنْ الْفَضْلِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِ أَرْضِهِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ , عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْد عَنْ أَبِيهِ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْضٌ لَيْسَ فِيهَا لأََحَدٍ قَسْمٌ ، وَلاَ شِرْكٌ إِلاَّ الْجِوَارُ قَالَ : الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ مَا كَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ عَنْ دَلاَلَ بِنْتِ أَبِي الْعَدْلِ عَنْ الصهفاق عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ الْجِوَارِ قَالَ : أَرْبَعُونَ دَارًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ قَالَ : سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الشَّفِيعُ أَوْلَى مِنْ الْجَارِ وَالْجَارُ أَوْلَى مِنْ الْجَنْبِ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْجِوَارِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الشَّرِيكُ أَوْلَى بِشُفْعَتِهِ. هَذَا كُلُّ مَا جَاءَ لَهُمْ مِمَّا يَتَعَلَّقُونَ بِهِ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ لَهُمْ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا أَصْلاً , وَقَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ كُلُّهُ أَوَّلُهُ عَنْ آخِرِهِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ الَّتِي أَوْرَدْنَا إِلاَّ إمَّا الْجَارُ أَحَقُّ عَلَى الْعُمُومِ , فَهِيَ حُجَّةٌ لِمَنْ رَأَى الشُّفْعَةَ لِكُلِّ جَارٍ , وَهُمْ لاَ يَرَوْنَهَا لِكُلِّ جَارٍ , لَكِنْ لِلْمُلاَصِقِ وَحْدَهُ , أَوْ لِلَّذِي طَرِيقُهُمَا وَاحِدٌ مُتَمَلَّكٌ فَقَطْ وَأَمَّا الْجَارُ الَّذِي طَرِيقُهُمَا وَاحِدٌ فَقَطْ : وَهَذَا لاَ نُنْكِرُهُ , وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الأَخْبَارِ فَبَطَلَ تَمْوِيهُ الْحَنَفِيِّينَ بِهَا جُمْلَةً , وَحَصَلَ قَوْلُهُمْ عَارِيًّا مِنْ مُوَافَقَةِ شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ. ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ فِيهَا حُجَّةٌ لِمَنْ يَرَى الشُّفْعَةَ لِكُلِّ جَارٍ : فَبَدَأْنَا بِالْخَبَرِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَوَجَدْنَاهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ , وَلاَ رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْهُ , فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ , لَكِنْ لاَ يُدْرَى مِمَّنْ هُوَ أَقَرَّ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّنَا لَوْ شَهِدْنَا جَابِرًا رضي الله تعالى عنه يُحَدِّثُ بِهِ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لأََنَّ نَصَّهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالشُّفْعَةِ وَالْجِوَارِ فأما الشُّفْعَةُ فَقَدْ عَرَفْنَا مَا هِيَ مِنْ أَخْبَارٍ أُخَرَ. وَأَمَّا الْجِوَارُ فَمَا نَدْرِي مَا هُوَ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ أَصْلاً. وَمَنْ فَسَّرَ كَلاَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَقْلِهِ بِمَا لاَ يَقْتَضِيهِ لَفْظُهُ فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَوِّلٌ لَهُ مَا لَمْ يَقُلْ وَقَوْلُ الْقَائِلِ : قَضَى بِالْجِوَارِ , لاَ دَلِيلَ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الشُّفْعَةِ وَلَعَلَّهُ الْبِرُّ لِلْجَارِ مِنْ أَجْلِ الْجِوَارِ , فَهَذَا أَبْيَنُ بِصِحَّةِ وُجُوبِهِ بِالْقُرْآنِ , وَبِالسُّنَنِ الصِّحَاحِ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ فَوَجَدْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ , ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا ; لأََنَّهُ مُوَافِقٌ لَنَا , وَلَكِنَّا لاَ نَحْتَجُّ بِمَا لاَ نُصَحِّحُهُ وَإِنْ وَافَقْنَا , لاَ كَمَا يَصْنَعُ مَنْ لاَ يَتَّقِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلاَ يَزَالُ يَحْتَجُّ بِمَا وَافَقَهُ , وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ صَحِيحًا , وَيَرُدُّ الضَّعِيفَ , وَالصَّحِيحَ إذَا لَمْ يُوَافِقْ تَقْلِيدَهُ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ رِوَايَةُ عَبْدَةَ وَأَحْمَدَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ الْعَرْزَمِيِّ جَاءَتْ بِزِيَادَةٍ لَمْ يَذْكُرْهَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد وَهِيَ كَوْنُ الطَّرِيقِ وَاحِدًا فَلَوْ صَحَّتْ رِوَايَةُ الْعَرْزَمِيِّ لَكَانَ الأَخْذُ بِزِيَادَةِ الْعَدْلَيْنِ أَوْلَى , وَقَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ فِي أَرْضِي طَرِيقٌ , لاَ نُخَالِفُ الْقَوْلَ إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا ; لأََنَّ الطَّرِيقَ الْمُرْعَاةَ إنَّمَا هِيَ إلَى الأَرْضِ , لاَ كَوْنُهَا فِي الأَرْضِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي خَبَرِ عَلِيٍّ , وَابْنِ مَسْعُودٍ فَوَجَدْنَاهُ مُنْقَطِعًا ; لأََنَّ الْحَكَمَ لَمْ يُدْرِكْهُمَا ، وَلاَ سَمَّى مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ عَنْهُمَا : فَبَطَلَ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلاً ; لأََنَّهُ إنَّمَا فِيهِ : أَنَّهُ عليه السلام قَضَى بِالْجِوَارِ وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الشُّفْعَةِ أَصْلاً. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي خَبَرِ سَمُرَةَ فَوَجَدْنَاهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لأََنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ إِلاَّ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ وَحْدَهُ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فَوَجَدْنَا نَصَّهُ جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ فَكَانَ هَذَا رُبَّمَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِمَنْ جَعَلَ الشُّفْعَةَ لِكُلِّ جَارٍ لَوْلاَ مَا نَذْكُرُهُ إذَا أَتْمَمْنَا الْكَلاَمَ فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. هَذَا وَمَا نَرَى سَمَاعَ عِيسَى بْنِ يُونُسَ كَانَ مِنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ إِلاَّ بَعْدَ اخْتِلاَطِهِ , وَحَسْبُك أَنَّ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ ذَكَرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ. وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِشُفْعَةٍ أَصْلاً , وَالتَّكَهُّنُ لاَ يَحِلُّ , وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِبِرِّ أَهْلِ الدَّارِ وَرِفْدِهِمْ , فَهَذَا أَحْسَنُ وَأَوْلَى لِصِحَّةِ وُرُودِ الْقُرْآنِ بِذَلِكَ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حدثنا حمام ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبُغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن يَعْلَى بْن كَعْبٍ الثَّقَفِيّ قَالَ : سَمِعْت عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ يُحَدِّثُ عَنْ الشَّرِيدِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْمَرْءُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِصَقَبِهِ قُلْتُ لِعَمْرٍو : مَا صَقَبُهُ قَالَ : الشُّفْعَةُ , قُلْت : زَعَمَ النَّاسُ أَنَّهَا الْجِوَارُ قَالَ : النَّاسُ يَقُولُونَ ذَلِكَ فَهَذَا رَاوِي الْحَدِيثِ عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ لاَ يَرَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ , وَلاَ يَرَى لَفْظَ مَا رُوِيَ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الأَحَادِيثُ بِبَيَانٍ وَاضِحٍ أَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ لَكَانَ حُكْمُهُ عليه الصلاة والسلام وَقَوْلُهُ , وَقَضَاؤُهُ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ يَقْضِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَيَرْفَعُ الْإِشْكَالَ , فَكَيْفَ ، وَلاَ بَيَانَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا كَمَا ذَكَرْنَا , وَأَكْثَرُهَا لاَ يَصِحُّ , وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِهَا لِسُقُوطِ طُرُقِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ عَظِيمِ إقْدَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي زَمَانِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ وَعِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُ بَعْضِهِمْ فِي الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ مِنْ كَلاَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ وَجَدُوا هَذَا وَمَنْ أَخْبَرَهُمْ بِهِ وَالْقَوْمُ قَدْ رَزَقَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ اسْتِسْهَالِ الْكَذِبِ فِي الدِّينِ حَظًّا وَافِرًا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهِ. وَقَالُوا فِيمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَوْ عَنْهُمْ جَمِيعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا قُسِّمَتْ الأَرْضُ وَحُدَّتْ فَلاَ شُفْعَةَ فِيهَا. قَالُوا : نَعَمْ لَيْسَتْ الْقِسْمَةُ ، وَلاَ التَّحْدِيدُ مُوجِبَيْنِ فِيهَا شُفْعَةً , إنَّمَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِالْبَيْعِ , فَكَانَ هَذَا بُرْهَانًا قَوِيًّا عَلَى عَدَمِ الْحَيَاءِ مِنْ وَجْهِ قَائِلِهِ فَقَطْ وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ رَسُولَهُ عليه السلام مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالسُّخْفِ وَبِمَا لاَ مَعْنَى لَهُ. وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ الشُّفْعَةَ لاَ مَدْخَلَ لَهَا فِي الْقِسْمَةِ فَكَيْفَ تَكُونُ الشُّفْعَةُ فِي أَرْضٍ قُسِّمَتْ أَتَرَى أَحَدَهُمَا يَأْخُذُ مَالَ صَاحِبِهِ مُصَادَمَةً هَذَا مُحَالٌ. فَكَيْفَ وَهُوَ خَبَرٌ مُسْنَدٌ , مَرَّةً ذَكَرَ الثِّقَاتُ هَذَا اللَّفْظَ وَحْدَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَرَّةً أَضَافُوهُ إلَى لَفْظٍ آخَرَ لَهُ عليه السلام كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو إبْرَاهِيمَ يَحْيَى بْنُ أَبِي قَتِيلَةَ الْمَدَنِيُّ ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلاَ شُفْعَةَ. فَظَهَرَ فَسَادُ الأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ , فَأَشَدُّهَا فَسَادًا أَقْوَالُ أَبِي حَنِيفَةَ ; لأََنَّهُ خَالَفَ جَمِيعَ الأَخْبَارِ , وَلَمْ يَتَعَلَّقْ لاَ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ , وَلاَ بِرِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ , بَلْ خَالَفَ كُلَّ رِوَايَةٍ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ عَنْ صَاحِبٍ ; لأََنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ ، رضي الله عنهم ، كَمَا قَدَّمْنَا عَنْ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ أَنَّ الْحُدُودَ تَقْطَعُ الشُّفْعَةَ. وَرِوَايَةً عَنْ عُمَرَ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْمُلاَزِقِ , وَلاَ تُعْرَفُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ , وَحَتَّى لَوْ صَحَّتْ فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ لِلْجَارِ جُمْلَةً , فَهِيَ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُلاَزِقِ. وَعَنْ سَعِيدٍ , وَأَبِي رَافِعٍ وَلَمْ يَذْكُرَا أَنْ لاَ شُفْعَةَ لِجَارٍ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ غَيْرُ مُتَمَلَّكٍ , لاَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ , وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ : فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِهَذَا الْخَبَرِ وَبِمِثْلِهِ مِمَّا فِيهِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ . فَقُلْنَا : إنَّ حَدِيثَ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ فِيهِ إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ فَكَانَ هَذَا بَيَانًا زَائِدًا لاَ يَحِلُّ تَرْكُهُ وَزِيَادَةَ عَدْلٍ أَخْذُهَا وَاجِبٌ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ قَوْلَهُ عليه السلام إذَا قُسِّمَتْ الأَرْضُ فَلاَ شُفْعَةَ يُوجِبُ قَوْلَنَا لاَ قَوْلَهُمْ , حَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ زِيَادَةُ مَعْمَرٍ , لأََنَّهُ وَإِنْ قُسِّمَتْ الأَرْضُ وَالدَّارُ , وَكَانَ الطَّرِيقُ إلَيْهَا مُتَمَلَّكًا لأََهْلِهَا فَلَمْ يُقَسِّمُوهُ فَلَمْ تُقَسَّمْ تِلْكَ الأَرْضُ بَعْدُ , لَكِنْ قُسِّمَ بَعْضُهَا وَحُدَّ بَعْضُهَا , وَلَمْ يُبْطِلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ الشُّفْعَةَ بِقِسْمَةِ الْبَعْضِ , لَكِنْ بِقِسْمَةِ الْكُلِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|